فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون}.
وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعجبه من أفعال المشركين ومخالفتهم دين إبراهيم؛ أي اصبر كما صبر إبراهيم، وأَعْلِم المشركين أن تأخير العذاب ليس للرضا بأفعالهم، بل سنَّة الله إمهال العصاة مدة.
قال ميمون بن مِهْران: هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم.
{إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ} يعني مشركي مكة يمهلهم ويؤخر عذابهم.
وقراءة العامة {يُؤَخِّرُهُمْ} بالياء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ}.
وقرأ الحسن والسُّلَمي وروي عن أبي عمرو أيضًا {نُؤَخِّرُهُمْ} بالنون للتعظيم.
{لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} أي لا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم، قاله الفراء.
يقال: شَخَص الرجلُ بَصرَه وشَخَص البصرُ نفسُه أي سَمَا وطَمَح من هول مَا يرى.
قال ابن عباس: تَشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدة الحيرة فلا يَرْمَضُون.
{مُهْطِعِينَ} أي مسرعين؛ قاله الحسن وقَتَادة وسعيد بن جبير؛ مأخوذ من أهطع يُهطع إهطاعًا إذا أسرع.
ومنه قوله تعالى: {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} [القمر: 8] أي مسرعين.
قال الشاعر:
بدجْلة دارُهُمْ ولقد أرَاهُمْ ** بدجْلةَ مُهطِعِينَ إلى السَّماعِ

وقيل: المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع؛ أي ناظرين من غير أن يَطْرفوا؛ قاله ابن عباس، وقال مجاهد والضحّاك: {مُهْطِعِينَ} أي مديمي النظر.
وقال النحاس: والمعروف في اللغة أن يقال: أهطع إذا أسرع؛ قال أبو عبيد: وقد يكون الوجهان جميعًا يعني الإسراع مع إدامة النظر.
وقال ابن زيد: المهطع الذي لا يرفع رأسه.
{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أي رافعي رؤوسهم ينظرون في ذلّ.
وإقناع الرأس رفعه؛ قاله ابن عباس ومجاهد.
قال ابن عرفة والقُتَبيّ وغيرهما: المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه؛ ومنه الإقناع في الصلاة وأقنع صوته إذا رفعه.
وقال الحسن: وجوه الناس يومئذ إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد.
وقيل: ناكسي رؤوسهم؛ قال المهدويّ: ويقال أقنع إذا رفع رأسه، وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلّة وخضوعًا، والآية محتملة الوجهين، وقاله المبرّد، والقول الأول أعرف في اللغة؛ قال الراجز:
أَنْغَضَ نَحْوِي رَأْسَهُ وَأَقْنَعَا ** كأنَّما أَبْصَرَ شيئًا أَطْمَعَا

وقال الشَّمَّاخ يصف إبلًا:
يُبَاكِرْنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ ** نَوَاجِذُهنّ كالْحَدَإِ الْوَقِيعِ

يعني: برؤوس مرفوعات إليها لتتناولهن.
ومنه قيل: مِقْنَعة لارتفاعها.
ومنه قَنِع الرجل إذا رَضِي؛ أي رفع رأسه عن السؤال.
وقَنَع إذا سأل أي أتى ما يتقنّع منه؛ عن النحاس.
وفم مُقْنَع أي معطوفة أسنانه إلى داخل.
ورجل مُقنَّع بالتشديد؛ أي عليه بَيْضة قاله الجوهري.
{لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر فهي شاخصة النظر.
يقال: طَرَف الرجلُ يَطْرِف طَرْفًا إذا أطبق جَفْنه على الآخر، فسمّي النظر طَرْفًا لأنه به يكون.
والطَّرْف العين.
قال عَنْتَرة:
وَأَغُضّ طَرْفِي ما بَدَتْ ليِ جارَتي ** حتّى يُوَارِي جارتِي مَأْوَاهَا

وقال جَمِيل:
وَأَقْصِر طَرْفِي دُونَ جُمْلٍ كَرَامةً ** لِجُمْلٍ ولِلطَّرْفِ الذِي أَنَا قاصِرُهْ

{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أي لا تغني شيئًا من شدّة الخوف.
ابن عباس: خاليةٌ من كل خير.
السُّديّ: خرجت قلوبهم من صدورهم فنشبت في حلوقهم؛ وقال مجاهد ومُرّة وابن زيد: خاوية خربة مُتخرقة ليس فيها خير ولا عقل؛ كقولك في البيت الذي ليس فيه شيء: إنما هو هَوَاءٌ؛ وقاله ابن عباس.
والهواء في اللغة المجوَّف الخالي؛ ومنه قول حسان:
أَلاَ أَبلِغْ أبا سُفْيانَ عَنِّي ** فأنتَ مُجوَّف نَخِبٌ هَوَاءُ

وقال زهير يصف ناقة صغيرة الرأس:
كأن الرجل مِنها فوق صعلٍ ** من الظلمان جؤجؤه هواء

فارغ أي خال؛ وفي التنزيل: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغًا} [القصص: 10] أي من كل شيء إلا من هم موسى.
وقيل: في الكلام إضمار؛ أي ذات هواء وخلاء. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون}.
الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور وقيل حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ وهذا في حق الله محال فلابد من تأويل الآية فالمقصود منها أنه سبحانه وتعالى ينتقم من الظالم للمظلوم ففيه وعيد وتهديد للظالم وإعلام له بأن لا يعامله معاملة الغافل عنه بل ينتقم ولا يتركه مغفلًا قال سفيان بن عيينة: فيه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم.
فإن قلت: تعالى الله عن السهو والغفلة فكيف يحسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم غافلًا وهو أعلم الناس به أنه لم غافلًا حتى قيل له ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.
قلت: إذا كان المخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان: أحدهما التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلًا فهو كقوله: {ولا تكونن من المشركين} {ولا تدع مع الله إلهًا آخر} وكقوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا} أي اثبتوا على ما أنتم عليه من الإيمان.
الوجه الثاني أن المراد بالنهي عن حسابه غافلًا الإعلام بأنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعل الظالمون ولا يخفى عليه شيء وأنه ينتقم منهم فهو على سبيل الوعيد والتهديد لهم والمعنى: ولا تحسبنه معاملهم معاملة الغافل عنهم ولكن يعاملهم معاملة الرقيب الحفيظ عليهم المحاسب لهم على الصغير والكبير وإن كان المخاطب غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال فيه ولا سؤال لأن أكثر الناس غير عارفين بصفات الله فمن جوز أن يحسبه غافلًا فلجهله بصفاته {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} يقال: شخص بصر الرجل إذا بقيت عيناه مفتوحتين لا يطرفهما، وشخوص البصر يدل على الحيرة والدهشة من هول ما ترى في ذلك اليوم {مهطعين} قال قتادة مسرعين وهذا قول أبي عبيدة فعلى هذا المعنى أن الغالب من حال من بقي بصره شاخصًا من شدة الخوف أن يبقى واقفًا باهتًا فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن أحوال أهل الوقف يوم القيامة بخلاف الحال المعتادة فأخبر سبحانه وتعالى أنهم مع شخوص الأبصار يكونون مهطعين يعني مسرعين نحو الدعي وقيل المهطع الخاضع الذليل الساكت {مقنعي رؤوسهم} الاقناع رفع الرأس إلى فوق فأهل الموقف من صفتهم أنهم رافعو رؤوسهم إلى السماء وهذا بخلاف المعتاد لأن من يتوقع البلاء فإنه يطرق ببصره إلى الأرض قال الحسن وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد وهو قوله تعالى: {لا يرتد إليهم طرفهم} أي لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة الخوف فهي شاخصة لا ترتد إليهم قد شغلهم ما بين أيديهم {وأفئدتهم هواء} أي خالية.
قال قتادة خرجت قلوبهم من صدورهم فصارت في حناجرهم فلا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها ومعنى الآية أن أفئدتهم خالية فارغة لا تعي شيئًا ولا تعقل من شدة الخوف.
وقال سعيد بن جبير: وأفئدتهم هواء مترددة تهوي في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه ومعنى الآية أن القلوب يومئذ زائلة عن أماكنها والأبصار شاخصة والرؤوس مرفوعة إلى السماء من هول ذلك اليوم وشدته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
شخص البصر أحد النظر، ولم يستقرّ في مكانه.
المهطع: المسرع في مشيه.
قال الشاعر:
بمهطع سرح كأن عنانه ** في رأس جذع من أراك مشذب

وقال عمران بن حطان:
إذا دعانا فأهطعنا لدعوته ** داع سميع فلبونا وساقونا

وقال أبو عبيدة: قد يكون الأهطاع الإسراع وإدامة النظر.
المقنع: هو الرافع رأس المقبل ببصره على ما بين يديه، قاله ابن عرفة والقتبي.
وقال الشاعر:
يباكرن العصاة بمقنعات ** نواجذهن كالحدإ الوقيع

يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر، ويقال: أقنع رأسه نكسه وطأطأه، فهو من الأضداد.
قال المبرد: وكونه بمعنى رفع أعرف في اللغة انتهى.
وقيل: منه قنع الرجل إذا رضي، كأنه رفع رأسه عن السؤال.
وفم مقنع معطوفة أسنانه إليه داخلًا، ورجل مقنع بالتشديد عليه بيضة الرأس معروف، ويجمع في القلة على أرؤس.
الطرف: العين.
وقال الشاعر:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ** حتى يواري جارتي مأواها

ويقال: طرف الرجل طبق جفنه على الآخر، وسمي الجفن طرفًا لأنه يكون فيه ذلك.
الهواء: ما بين السماء والأرض، وهو الخلاء الذي لم تشغله الأجرام الكثيفة، واستعير للجبان فقيل: قلب فلان هواء.
وقال الشاعر:
كأن الرحل منها فوق صعل ** من الظلمات جؤجؤه هواء

{ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءُوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}: الخطاب بقوله: {ولا تحسبن}، للسامع الذي يمكن منه حسبان مثل هذا لجهله بصفات الله، لا للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه مستحيل ذلك في حقه.
وفي هذه الآية وعيد عظيم للظالمين، وتسلية للمظلومين.
وقرأ طلحة: ولا تحسب بغير نون التوكيد، وكذا فلا تحسب الله مخلف وعده.
والمراد بالنهي عن حسبانه غافلًا الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون، لا يخفى عليه منه شيء، وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله: {والله بما تعملون عليم} يريد الوعيد.
ويجوز أن يراد: ولا تحسبنه، يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير.
وقرأ السلمي والحسن، والأعرج، والمفضل، عن عاصم وعباس بن الفضل، وهارون العتكي، ويونس بن حبيب، عن أبي عمر: ونؤخرهم بنون العظمة، والجمهور بالياء أي: يؤخرهم الله.
مهطعين مسرعين، قاله: ابن جبير وقتادة.
وذلك بذلة واستكانة كإسراع الأسير والخائف.
وقال ابن عباس، وأبو الضحى: شديدي النظر من غير أنْ يطرقوا.
وقال ابن زيد: غير رافعي رؤوسهم.
وقال مجاهد: مد يمين النظر.
وقال الأخفش: مقبلين للإصغاء، وأنشد:
بدجلة دارهم ولقد أراهم ** بدجلة مهطعين إلى السماع

وقال الحسن: مقنعي رؤوسهم وجوه الناس يومئذ إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد انتهى.
وقال ابن جريج: هواء صفر من الخير خاوية منه.
وقال أبو عبيدة: جوف لا عقول لهم.
وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد: خربة خاوية ليس فيها خير ولا عقل.
وقال سفيان: خالية إلا من فزع ذلك اليوم كقوله: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا}، أي: إلا من هم موسى.
وهواء تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة، فهي منحرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي حناجرهم، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدًا في اضطراب.
وحصول هذه الصفات الخمس للظالمين قبل المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله: يوم يقوم الحساب.
وقيل: عند إجابة الداعي، والقيام من القبور.
وقيل: عند ذهاب السعداء إلى الجنة، والأشقياء إلى النار. اهـ.